facebook

شريط مسيحي علشاني جيت للمرنمة فاديا بَزي


شريط مسيحي علشاني جيت
للمرنمة فاديا بَزي


ترانيم الشريط

انت عظيم
بالأحضان الأبوية
بين يديك الحانية
خليني اقدر
لست أعلم
لما تلقى
مسيحي
نظرة عينيك
هاعشلك





حجم الملف: 36.43MB



للتحميل من هنــــــا



..

شريط اعلن ذاتك لكورال ابناء الملكوت

شريط اعلن ذاتك لكورال ابناء الملكوت

شــــــــريــــــــط

أعلن ذاتك


بعد طوال الانتظار






لكورال أبناء الملكوت


بكنيسة السيدة العذراء مريم
بمدينة النور






ترانيم الشريط




للتحميل الشريط

4Shared
Mp3

اضغط هنا


للتحميل الشريط

MediaFire
Mp3

اضغط هنا


>>><<<

عظة انت بجد مسيحى بالموسيقى ابونا يوأنس كمال




وعظة انت بجد مسيحى بالموسيقى ابونا يوأنس كمال




للتحميل اضغط هنا

شخصيه ( المرأة الشونمية ) شخصيات الكتاب المقدس


المرأة الشونمية

وفي ذات يوم عبر اليشع إلى شونم، وكانت هناك امرأة عظيمة...

مقدمة

تختلف مقاييس الناس اختلافا بينا كبيراً حول تحديد من هو العظيم في هذه الأرض!! ولاشك أن الكثيرين جداً يحكمون على العظمة بالنظر إلى الظاهر في الإنسان، فالإنسان عظيم على قدر المظهر الذي يعيش به بين الناس، وهذه العظمة، ليست في الواقع إلا عظمة القشور، وقد رفضها المسيح وهو يتحدث عن عظمة المعمدان قائلاً: «لكن ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا إنسانًا لابسًا ثيابًا ناعمة هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك.... الحق أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان...»، ولو كانت القشور هي العظمة الحقيقية، لخرج لا الرسول بولس أو التلاميذ فحسب، بل لخرج المسيح نفسه الذي لم يكن له أين يسند رأسه.. وقد يقيس آخرون العظمة، على قدر ما يملك الإنسان من نفوذ أو سيطرة أو استبداد أو طغيان، ومن ثم جعلوا في القمة بين العظماء، جبابرة الحروب أمثال الاسكندر وقيصر ونابليون وغيرهم، أو من وصفهم السيد بالقول: «إن الذين يحسبون رؤساء الأمم يسودونهم، وأن عظماءهم يتسلطون عليهم».. وقد يرى آخرون العظمة في المفكرين والفلاسفة ممن يرفعون مصابيح النور ومشاعل المعرفة هداية للحائرين في الطريق الإنساني المظلم، ومن ثم عدوا في مقدمة العظماء سقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم من الفلاسفة القدامى والمحدثين، ووجد من قاس العظمة عند المخترعين والمكتشفين والعلماء من رواد الطريق إلى الحضارة والمدنية والرفاهية بين الناس، لكنني أعتقد أن العظمة الحقيقية تبدأ من عظمة الإنسان على نفسه، وانتصاره على ما في أغوارها من باطل، والعثور على معنى وجوده ورسالته في الأرض، والخدمة والتضحية والبذل، وقد كانت الشونمية بهذا المعنى واحدة من العظيمات اللواتي سطرت عظمتها في وحي الكتاب بأحرف بارزة جليلة، وقد يكون من الخير والحق أن نتأمل قصتها العظيمة فيما يلي من صور:



من هي الشونمية

لم يذكر الوحي لنا اسم المرأة، ولا نعلم سوى أنها من قرية شونم، والتي كانت تقع على بعد خمسين ميلا إلى الشمال من أورشليم، وإلى سبعة أميال إلى الجنوب من المدينة التي عرفت فيما بعد بالناصرة والتي عاش فيها المسيح مخلص العالم، ومع أننا لا نعرف الكثير عن حياة هذه المرأة، إلا أننا نعلم أنها كانت من الطبقة المتوسطة الغنية، وأن بيتها كان من البيوت الظاهرة في القرية، بل وربما أغناها وأيسرها، وأن لقمة العيش كانت سهلة وميسورة، وأنها كانت تملك أرضًَا، تدر عليها الوفير من العيش والحياة، وأنها يوم اضطرت إلى الهجرة لمجاعة طارئة رد الملك لها أرضها المغتصبة، والحياة كانت هادئة وطيبة للمرأة، حتى أن أليشع عندما سألها عما اذا كان يعوزها شيء، ردت بأنها ساكنة في وسط شعبها، لا تقلق أحدا، ولا أحد يتعرض لها بالإقلاق أو المضايقات أو الترفع على من حولها من القرويين أو الريفيين كما يفعل بعض الثراة أو الأغنياء من أهل الريف، بل يبدو أنها كانت امرأة وديعة مجبولة على روح الوداعة والتواضع، وكانت المرأة لها أكثر من ذلك الكرم القروي الطبيعي غير المتكلف، فهي لا تعطي فحسب، بل تسر بالعطاء والجود والكرم، وعلى وجه الخصوص الضيوف العابرين في الطريق، والغرباء الذين يحتاجون إلى معونة ومساعدة، على أن المرأة تميزت أيضًا بالتقوى العميقة الصادقة، فكل حركاتها وسكناتها، وكل مشاعرها وعواطفها، وكل ما صدر عنها من أفعال أو انفعالات كانت تكمن وراءه روح امرأة تقية عميقة التقوى، تخاف الله وتحبه، وتقبل منه الآلام والآمال، بوداعة وتسليم ورضا وخشوع وسكينة وحب!! ولعل هذه كلها هي التي أعطتها ذيوعًا وشهرة أكثر من زوجها، الذي أخذ مكانه في الظل إلى جوار شخصيتها القوية العظيمة الواضحة!!..



الشونمية ومظاهر عظمتها

وإذا كانت الشونمية، توصف في المعنى العام بالمرأة العظيمة إلا أن مظاهر عظمتها قد ظهرت على وجه الخصوص في بعض المواقف الموثرة البطولية في عرض حياتها وسيرتها، ويمكن أن تراها بوضوح فيما يلي:



عظمة التقوى رغم الحرمان

من السهل على الإنسان أن يتصور التقوى تسير سيرها المطرد المستمر، مع نجاح الإنسان أو خيره، أو سلامته، أو مدى ما يتمتع به من دسم أو وفرة، ومع أن المرأة الشونمية كان لها الكثير، لتشكر الله عليه، وتغني بالحمد لجلاله، إلا أنها رغم ذلك كانت محرومة من أغلى ما كانت تحن إليه المرأة اليهودية في ذلك الوقت، بل أن هذا الحرمان كان يصور في كثير من الأوضاع والصور، كغضب الله أو قسوته أو شدته، عندما تكون المرأة عاقرًا لا تنجب أو تلد، ولعلنا نذكر المذلة التي كانت تفيض بها مشاعرها من هذا القبيل، ولا يمكن أن ننسى في هذا المجال سارة ورفقة وراحيل وحنة وغيرهن من النساء، ألم تؤثر راحيل الموت على حياة العقم وعدم الإنجاب، وألم تبك حنة في مرارتها القاسية في بيت الله لأنه لم يكن لها ولد!! ولعل الشونمية التي ظلت سنوات كثيرة بلا ابن، قد بكت مرات بلا عدد أو حصر وهي أمام الله في الصلاة، أو في عزلتها من الناس، أو ربما أمامهم، وهي تنشد الولد أو تحن إليه، ولكنها مع هذا كله لم يعرف منها أو عنها قط حياة التذمر أو التمرد أو الشكوى أمام الله والناس، لقد كانت في حرمانها المرأة التقية الزكية الإحساس المفعمة بالتسليم والسكينة والرضا لقضاء الله وأمره، كما كانت بعد مجيئة، ذات المرأة الممتلئة بكل عرفان وشكر وحمد لرحمته وإحسانه وجوده، بل لعلها كانت تقول مع أيوب، عندما تتعرض للإحساس بتجربة لتذمر «هوذا يقتلني. لا أنتظر شيئًا فقط أزكي طريقي قدامه...» أجل كانت المرأة في كل عقهما، وبكل عمقها، مظهرًا عظيمًا لتقوى المحرومين من هذا أو ذاك أمام الله..



عظمة الخدمة دون انتظار الأجر

ولعل المظهر الثاني لعظمة هذه المرأة كانت روح الخدمة التي تتملكها، دون أدنى تفكير في رد أو جزاء بشري، لقد خدمت أليشع وتعبت في خدمته، على النحو الذي أثار الرجل وحرك مشاعره، فناداها، يطلب إليها أن يرد بعض المعروف مقابل ما سبب لها من انزعاج واهتمام ومتاعب، ولكن المرأة تجيب بأنها لا حاجة لها إلى شيء وهي ساكنة آمنة في وسط شعبها، لقد أوغلت في خدمتها إلى أليشع حتى أنها بنت له في بيتها علية يأوى إليها كلما جاء أو عبر الطريق، دون أن تنتظر جزاء أو شكراً، سوى احساسها العظيم بلذة الخدمة نفسها اللذة التي لا يستطيع أن يدركها سوى أولئك الذين خرجوا من نفوسهم إلى الآخرين، ومن الأثرة إلى الإيثار، ومن محبة الذات إلى محبة الجميع، كل من يمد يده إلى المتعب والغريب والضائع والمشرد والبائس والباكي وما أكثرهم في كل زمان ومكان على ظهر هذه الأرض!!..



عظمة السلام رغم وقوع الكارثة

على أن المرأة تبدو في أروع صور العظمة عندما يموت ولدها الوحيد، قرة عينها، وبهجة قلبها، والذي جاء بعد ما ذكرنا من الحرمان القاسي لسنوات متعددة طويلة، والذي عاش سنوات بلغ فيها مرتبة الصبي، التي تجعله يخرج من البيت ويذهب لأبيه في الحقل، أو يجري هنا وهناك كما يجري سائر الأولاد اللاعبين الضاحكين مثله وفي سنه، وقد جاءت الضربة مفاجئة وغير متوقعة إذ كانت ضربة شمس وهو عند أبيه في الحقل، وكانت مسرعة وقاسية ومذهلة، فما أسرع ما يصل الصبي إلى أمه، حتى يموت قرب الظهيرة في حجرها، وهنا يقف الإنسان أمام مشهد من أدق وأقسى المشاهد التي يمكن أن يراها المرء في حياة الناس، كيف تواجه المرأة الكارثة وتتصرف إزاءها! لقد تحولت في دقائق ولحظات إلى أعظم صورة يمكن أن تتصورها من العظمة في مواجهة الفاجعة والآلام، ومع أن المرأة في العادة لا تنصرف بمفردها في مثل هذه المواقف التي تهزم أصلب الأعواد وأشجع القلوب، إلا أنها مع ذلك حرصت على ألا يعلم زوجها شيئًا عن الأمر، إذ قصدت أن تلوذ برجل الله والذي لم يكن في بيتها بل كان في الكرمل على بعد عشرة أميال على الأقل، وإذ يستفسر الزوج عن سر ذهابها تجيب بكلمة واحدة: سلام... وعندما تقترب من النبي، ويفزع إذ يراها مسرعة إليه فيرسل جيجزي بسؤال واحد: أسلام لك. أسلام لزوجك. أسلام للولد تجيب أيضًا بكلمة واحدة: سلام! وكيف يمكن أن يكون هناك السلام للنفس التعسة الحزينة المرة المفجوعة بل للنفس التي راضت حياتها على الصورة الأولى من غير ولد، وكان يمكن أن تستمر هكذا حتى استيقظ فيها الأمل بمجيء الغلام الذي أضحى هو الحياة بل أهم من الحياة عندها؟ كيف يمكن أن يكون السلام وقد كانت في قصتها الأولى كمن يسير قريبًا من الأرض لا يهتز إذا سقط عليها، ولكنه سرعان ما يصعد إلى أعلى الأدوار ليسقط، ولا يترضض فقط، بل ليتهشم تهشيمًا، ويضحي أشلاء تذروها الرياح، وكيف يمكن للإنسان أن يصل إلى السلام عندما يعصره الألم، وينضح بالتعاسة والدموع! هذا موقف من أندر المواقف وأقساها، ولو أن المرأة واجهته بما لم تواجهه امرأة أخرى إذ تغلق على ولدها ولا تذرف دمعة، ولا يعلو صوتها بتشنج أو نحيب، بل تذهب بصمت مليء بالمرارة إلى رجل الله، لكانت من أعظم النساء اللواتي عرفن في مواجهة الصدمات بشجاعة وصلابة وصبر في هذه الأرض، لكن المرأة ارتفعت فوق المرارة والآلام والتعاسة والأحزان التي لا توصف بشيء أسمى وأعلى وأمجد!!... لقد كانت أشبه بالطائر المرتفع الذي يشق طريقه إلى أعلى السموات مرتفعًا فوق الغيوم والسحب والأمطار ليواجه الشمس المشرقة الرائعة العظيمة، لقد واجهت المرأة المحنة بإيمان عجيب، قل أن يكون له نظير أو مثيل في حياة الناس، لقد آمنت أن الولد الذي جاء بمعجزة، سينهض من الموت ويقوم أيضًا بمعجزة، وقد حول هذا الإيمان نارها الملتهبة سلاماً وعذابها الذي لا يوصف هدوء وسكينة، لايمكن أن تكون من صنع الإنسان أو من قدرة ذاتية عنده، بل من روح الله وشخصه المبارك الذي لا يترك المؤمن، بل يجتاز معه الأتون المحمي سبعة أضعاف ويخرجه منه على نحو خارق من البهاء والجمال والعظمة على مشهد من الجميع ويصورة تذهب مضرب المثل كلما ذكرها الناس كواحدة من أقسى التجارب في حياة البشر على هذه الأرض!! وهل هناك عظمة يمكن أن تداني هذه العظمة في مواجهة المحن والآلام.



الشونمية وجزاؤها المبارك

كانت الشونمية، وهي تأخذ جزاءها من الله، أشبه بذلك القديس الذي تذكر القصة الخيالية أن الله طلب منه أن يختار أية عطية سيمنحها له المولى مهما كانت غالية وعظيمة وكريمة وأبي القديس وهو يقول الله: لقد أعطيتني ياسيدي فوق ما أطلب أو أحتاج، وأنا أسير إحسانك وجودك، ولا يعوزني قط شيء من الخير، وأجابه الله: ولكني أريد أن أعطيك أكثر فاطلب ما تشاء أو تريد!.. وقال الرجل: إذا كان ولابد يا مولاي!! فاني أرجو أن تعطيني أن أفعل الخير دون أن أحس إني فعلته أو قمت به!! وقال الله له: ليكن لك ذلك!.. وكان الرجل يسير فإذا وقع ظله على مريض شفي وبريء دون أن يشعر!! ولعله من الملاحظ أن المرأة لم تطلب الولد عندما سألها أليشع ولكن الولد جاء نتيجة ملاحظة جيحزي، إن البيت خال من ابن! لقد قدمت المرأة خدمتها وترحيبها وعطاياها تحت إحساسها العميق، بأن هذا ليس من واجبها فحسب بل هو امتيازها الأعظم أيضًا، ورأى الله أن المرأة أقرضته وأعطته وهو لا يقبل أن يكون مديونًا لأحد، وهو إذ يعطي إنما يعطي أضعافاً مضاعفة لا يمكن أن توازن بما يقبل أو يأخذ، ألم يقل السيد: «من يقبل نبيًا باسم نبي فأجر نبي يأخذ ومن يقبل بارا باسم بار فأجر بار يأخذ ومن سقي أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ فالحق أقول لكم إنه لا يضيع أجره».. وهل ضاع أجر المرأة، ألم تأخذ الولد، ولم تأخذه مرة واحدة في الحياة. بل أخذته مرتين؟ وألم تأخذ خيرًا سابقًا ولاحقاً لما قدمت لرجل الله من ضيافة أو كرم، عندما فاض عليها الله بالخيرات الكثيرة في بيتها، وعندما حفظ الله لها أرضها طوال المجاعة التي استمرت سبع سنوات، واغتصب الغاصبون حقلها، فلم يرد لها الملك الحقل عندما صرخت إليه فحسب، بل رد لها أكثر من ذلك غلاته التي أخذت طوال فترة غيابها عن شعبها وبلادها، طوال السبع السنوات من المجاعة القاسية.

أيتها الشونمية العظيمة! هل يتعلم الناس، وهم يبحثون عن العظمة كيف تكون أصلا في العادي من الحياة في السماحة والجمال والدعة والخدمة بينهم، قبل أن تكون في طلب الخوارق والعجائب والمعجزات، والله على استعداد أن يعطي هذه وتلك، لمن يعيش ويحيا كما عشت وحييت، وكنت بحق في الحالتين كما ذكر الوحي «وفي ذات يوم عبر أليشع إلى شونم وكانت هناك امرأة عظيمة».


شخصيه ( سيمون الساحر ) شخصيات الكتاب المقدس


سيمون الساحر

" وسيمون أيضاً نفسه آمن ، ولما اعتمد كان يلازم فيلبس "

( أع 8 : 13 )

مقدمة

لعل من أعجب القصص التى تروى أن قسيساً لأحد السجون فى الغرب شاهد شخصاً حكم عليه بالإعدام قلقاً جداً ومضطرباً ، وفى حالة نفسية منزعجة ، فحدثه عن الفادى وقوته على خلاص الخطاة مهما كانوا ، ومهما كانت خطاياهم ، وبدا كما لو أن كلماته قد وجدت قلباً مستعداً، ورأى القسيس أن هناك باباً يطرقه لإلغاء حكم الإعدام فطرقه ، ونجح وأراد أن يختبر حقيقة تدين السجين فى حالة معرفته بنجاته ، فتحدث معه بحذر ، وساقه إلى التفكير ، ماذا يحدث وكيف يسلك إذا علم أن حكم الموت سيرفع عنه ، ولم يجب السجين مباشرة ، ولكنه بدأ يسأل أسئلة تمكن منها أن يدرك قصد خادم اللّه ، وإذ أدرك أن العفو قد شمله طرح الكتاب المقدس ، وشكر القسيس بأدب ، وأخبره أنه لم يعد بعد فى حاجة إليه أو فى حاجة إلى كتابه !! .. قد يصعب على المرء تصديق مثل هذه القصة ، لما يبدو فيها من غرابة وشذوذ ولكن أليست الحياة البشرية نفسها ممتلئة بكل ما هو غريب وشاذ ! .. وألم يتحدث السيد المسيح عن ذلك النوع من الناس : " المزروع على الأماكن المحجرة هو الذى يسمع الكلمة وحالا يقبلها بفرح . ولكن ليس له أصل فى ذاته بل هو إلى حين . فإذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة فحالا يعثر"... وتحدث أيضاً عن " المزروع بين الشوك ... الذى يسمع الكلمة وهم العالم وغرور الغنى يخنفان الكلمة فيصير بلا ثمر " .. وإذا كان الأمر كذلك ، فإن من حقنا أن ندرس قصة سيمون الذى لم يؤمن فحسب ، بل اعتمد ، ولازم فيلبس ، دون أن يكون قلبه مستقيماً أمام اللّه،... وكان فى مرارة المر ورباط الظلم إلى الدرجة التى أراد فيها أن يستخدم أقدس موهبة لخدمة أنجس الأغراض !! .. وكان الرائد البشع أمام أولئك الذين عرفهم التاريخ فيما بعد " بالسيمونيين " الذين يقتنون الموهبه الدينية بالمال!!.. وها نحن نتعرض لقصته فيما يلى :



سيمون وموجة النهضة العارمة فى السامرة

لا يمكن أن نتعرف على قصة سيمون الساحر فى السامرة ، قبل أن نتذكر أن السامريين ، هم ذلك الخليط الذى جاء إلى الأرض المقدسة وكانوا مزاجاً من الدين والخرافة معاً،.. اختلط الكثيرون منهم باليهود بالمعايشة والتزاوج والمصاهــــرة والمعاملة ، حتى أن السامرية وهى فى أعماق فسادها تقول للسيد المسيح : " ألعلك أعظم من أبينا يعقوب الذى أعطانا البئر وشرب منها هو وبنوه ومواشية " ... ( يو 4 : 12 ) . فهى فى أعماق فسادها ووحلها لا تستنكف من أن تدعو نفسها بنت يعقوب وذريته !! ... ولهذا فالسامرى يصلح للتجاوب بعمق وعنف ورغبة مع النقيضين على حد سواء ، فإذا وقع تحت تأثير الخرافة ، فهو غارق فيها إلى الذقن، ولا يستطيع أن يفرق بينها وبين عمل اللّه ، بل كل شئ عنده هو عمل اللّه ، حتى ولو كان سحراً ، وقد اندفعت المدينة كلها بغيرة وحماس وراء سيمون : " وكان الجميع يتبعونه من الصغير إلى الكبير، قائلين هذا هو قوة اللّه العظيمة " ... ( أع 8 : 10 ) وظل الرجل متسلطاً على المدينة حتى ظهر فى الأفق فيلبس ، وإذا بالمد الكاسح يجرف فى طريقه كل شئ ، وإذا بالموجة القوية تدفع المدينة ، وتدفعع أيضاً سيمون الساحر ، أمامها !! ..

وربما لا نفهم ما حدث فى السامرة فى ذلك الوقت ، قبل أن نفهم الظواهر الكاسحة التى تحدث فى العادة عندما يهب روح اللّه بسلطانه القوى على النفوس فى نهضة من النهضات ، وقد كتب أوزوالد سميث فى كتابة " النهضة التى نحتاج إليها " أمثلة متعددة ، نذكر منها النهضة التى حدثت فى ويلز عام 1904 وكانت تلك البقعة الصخرية فى الجزائر البريطانية قد ارتدت بعيداً عن اللّه ، وسارت فيها الخطية سافرة بلا حياء أو خجل فى الشوارع والمدارس ودور العمل وأماكن اللهو ، وكان الحضور فى الكنائس ضعيفاً جداً أو أوشك أن ينعدم ، وصدق القول المكتوب: "رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسى صارت علىَّ ثقلا . مللت حملها . فحين تبسطون أيديكم أستر عينى عنكم وإن كثرتم الصلاة لا أسمع . أيديكم ملآنه دماً ... شعب متمرد سائر فى طريق غير صالح وراء أفكاره . شعب يغيظنى بوجهى " ( إش 1 : 14 و 15 و 65 : 2 و 3 ) وفجأة وبدون سابق انذار وكالاعصار العاتى الجبار اكتسح روح اللّه الأراضى الصخرية ، فامتلأت الكنائس بالجماهير الغفيرة حتى كان يتعذر على المئات أن يجدوا مكاناً للدخول !! .. واستمرت الاجتماعات من الساعة العاشرة صباحاً ، حتى منتصف الليل ، وكانت تعقد ثلاث خدمات فى اليوم الواحد ، ... كان روبرت إيفان هو الآلة البشرية فى يد القدير ... لم تر ويلز شيئاً مثل هذا من قبل ، تجدد الكفرة والملحدون والسكيرون والمقامرون ، وكانت الاعترافات بأفظع الخطايا تسمع فى كل مكان . وسددت الديون التى لم تكن قد سددت من قبل . وأقفلت المسارح ودور السينما والمقاهى أبوابها لأنها لم تجد من يرتادها ، .. وفى مدة خمسة أسابيع انضم إلى الكنيسة عشرون ألف شخص !! .. ومن الغريب أن روبرت إيفان لم يكن خادماً مرتسما ولكنه كان أحد أفراد الشعب ، يعمل عاملا فى منجم للفحم ، ولكنه ظل يصلى لمدة ثلاثة عشر عاماً دون كلل أو ملل لتحدث النهضة ، ... وجاءت النهضة على يدى العامل الفقير البسيط، كما حدثت فى السامرة على يدى فيلبس المبشر بيسوع المسيح!! ..

كانت النهضة فى السامرة أول صورة لعمل اللّه العجيب خارج أورشليم بعد يوم الخمسين ، ومن السهل فى مثل هذه الظروف ، أن تأخذ روح الجماعات الناهضة فى موجتها وحماسها الجماهيرى الكثيرين الذين يقبلون الكلمة بفرح ولكن ليس لهم أصل فى ذواتهم ، وما أسرع ما يتعثرون عند الضيق أو الاضطهاد أو أولئك الذين يعيشون بين هم العالم وغرور الغنى وما أيسر أن تخنق كلمة اللّه فى حياتهم فتصير بلا ثمر !! .. وإذا كان السيد نفسه قد كشف هذه الحقيقة فيمن ساروا وراءه ، وتتلمذوا على يديه ، دون أن يرتفعوا إلى مستوى التلمذة الصحيحة ، وعندما واجههم بالحقيقة : " فقال كثيرون من تلاميذه إذ سمعوا : " إن هذا الكلام صعب . من يقدر أن يسمعه .. من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه " ( يو 6 : 0 6 ، 66 ) .. وإذا كان كثيرون ، فى كل النهضات التى ظهرت فى التاريخ ، لم يستمروا إلى النهاية بل عادوا إلى الوراء !! .. لم يعد مستبعداً أن سيمون الساحر بعدما آمن واعتمد ، يعود إلى حياته القديمة وسحره الخداع !!



سيمون والفرق بين السحر والدين

على أن سيمون وشعب السامرة يبسطان أمامنا قضية أخرى ألا وهى ارتباط الدين بالسحر والعلاقة الطردية أو العكسية التى يمكن أن تفرق بينهما ، أو تجمعهما فى إطار واحد ، ومن الملاحظ أن المدينة كانت تتبع سيمون وتعتبره قوة اللّه العظيمة ، فلما جاء فيلبس ، جاء ليفصل الأصل عن التقليد ، والصحيح عن الزائف،... والسر يرجع ، بادىء ذي بدء ، إلى أن الدين أو السحر يواجهان فى الحقيقة علاقة الإنسان بغير المنظور ، وكلاهما يحاول تجاوز المنظور إلى ما وراء المنظور ، ومن العجيب أن الصراع بين بطرس وسيمون انتهى إلى الفرقة الكاملة بينهما ، وتقول بعض التقاليد إن سيمون تحول بعد ذلك ليكون مؤسساً وزعيماً للمدرسة الغنوسية التى كانت من أعدى أعداء المسيحية ، وقد ظهرت فى محيط الكنيسة ، فى القرن الثانى والثالث ، تحاول تحطيمها من الداخل والكلمة " غنوسية " من أصل يونانى ومعناها " معرفة " ، وتطلق على مجموعة من الشيع أو مدارس الفكر التى أشار إليها الكثيرون من اللاهوتيين أمثال إيرانيوس وترتليانوس وهيبوليتس ، وكانوا ينظرون إليها كهرطقة جاءت من محاولة مزج الفكر المسيحى بالفلسفة الوثنية ، أو علم التنجيم بالبدع السرية التى ارتبطت بالديانات اليونانية ، وقد قبل بعض الباحثين والعلماء الجزء الأكبر من هذه الأفكار المنحدرة من العصور المسيحية الأولى ، وأطلقوا على الغنوسية " الإغريقية المتطرفة للتصور المسيحى " .. ومن المؤكد أن الغنوسية كان لها جذور فكرية يونانية من قبل مولد المسيحية ، ونجد فى رسالة يوحنا الأولى والرسائل الرعوية تحذيراً واضحاً منها،.... وأغلب الظن أنها محاولة للتوفيق بين مختلف الآراء اليهودية والوثنية والشرقية ، فى الوحى ، وقضية الخير والشر ، ومصير الإنسان ، .... ولعل أظهر مدرسة غنوسية كانت مدرسة فالانتينوس الذى علم فى الإسكندرية وروما فى منتصف القرن الثانى الميلادى ، ويقوم تصورها على أنه فوق الوجود ووراءه يقوم الآب الأعلى ، الجوهر غير المولود ، والأيون أو السرمد الكامل ، وإلى جانبه يوجد الصمت الذى هو فكره ، ومنه ينبثق على التتابع ثلاثة أزواج من الأيونات ، الحق " النوس والأليثيا " والحياة الذى هو " اللوجوس والزيو " والإنسان والكنيسة " الانثروبوس والأكليسية " ومن التفاعل بين هذه الأيونات تأتى الأيونات الأخرى كالحكمة والصليب والروح القدس !! .. وتسير هذه المدرسة فى تصورات أشبه بالأدغال المتشابكة ، محاولة فى تفسر كل شئ بتفسير غيبى غريب حتى يصح أن نقول إن الغنوسية ليست ديناً أو فلسفة بقدر ما هى نظرية تصوفية عن الوجود ، ... وهناك مدرسة غنوسية أخرى لرجل اسمه باسيليوس وهو سورى المولد حاضر فى الإسكندرية من عام 120 - 140 م ، وكان نظامه يشير إلى التدرج حتى أنه عد السموات بثلثمائة وخمس وستين ، وكانت آراؤه ممتلئة بالخيالات والتصورات الغيبية ، .. وقد تعرض الغنوسيون لفكرة الخلاص ، والخلاص عندهم يأتى من المعرفة ، وإن رسالة الوسطاء الإلهيين هى أن يفتحوا عينى الإنسان للحق ، والإنسان الروحى فى نظرهم هو الذى يخلص بالمعرفة ، يعرف من هو وكيف جاء إلى وضعه الراهن ، ... وكيف يسير . وفى مثل هذه التربة التى تتجاوز المنظور يمكن أن ينشأ السحر والتنجيم والعرافة والأضاليل جنباً إلى جنب أو على اختلاط ومزج بالتعاليم الدينية ... فإذا أراد الإنسان أن يعرف كيف يفرق بين الصحيح والباطل ، وبين الحق والكذب ، وبين الصدق والضلال أو فى لغة أخرى بين فيلبس وسيمون ، أو بين الدين والشعوذة ، ! تعين عليه أن يعود ليرى الفرق بين موسى وهرون من جانب وبين السحرة المصريين من جانب آخر وبين عصا هرون التى تحولت إلى حية وبين العصى الأخرى التى ابتلعتها عصا هرون . وبين معجزات موسى وإقرار العرافين بأن تلك تحمل أصبع اللّه ، وتعين عليه أن يرى بولس فى مواجهة بار يشوع الساحر الذى كان يريد إفساد الإيمان عند سرجيوس بولس ، ... فإذا وقفت القوة المعجزية أمامه عند حدود الإثارة أو دون أن تكون هناك فائدة تتجاوز الجسد إلى الروح ، أو إذا كانت للاستغلال البعيد عن الإحسان والرحمة ، فهى قوة شيطانية أو بشرية مرتبطة بخفة اليد أو ما أشبه من وسائل مخادعة ، لا يمكن أن تكون من اللّه أو بفعله وقوته !! ... وهكذا بدا سيمون الساحر ، على النقيض تماماً من فيلبس ، أو هكذا بدت الشعوذة فى مواجهة الحق الإلهى الواضح وضوح النهار !! .. وهكذا تحولت المدينة بأكملها والمشعوذ نفسه فى الاتجاه الصحيح الكريم من صغيرهم إلى كبيرهم على حد سواء !!



سيمون المرتد عن الإيمان

هناك خلاف فى الرأى حول إيمان سيمون ، فهناك من الشراح من يعتقد أن سيمون لم يعرف الإيمان يوماً واحداً ، وأنه تظاهر به للمنفعة ، وسيراً فى التيار الذى جر المدينة بأكملها وراء فيلبس ، وأنه كان نوعاً من المداورة السحرية التى قصد منها أن يتمم أهدافه ، ولكن بصورة أخرى ... غير أن هناك من يرى أن سيمون آمن إذ أخذ بالموجة العارمة التى حملت الجماهير الغفيرة ، وأنه وقع تحت تأثير هذه الانفعالات ، وأنه اعتمد ، كما رأى غيره يفعل ذلك ، وأنه كان نوعاً من الزوان فى وسط الحنطة ليس من السهل أن يفرق بينه وبين الآخرين ، وأنه مثل الكثيرين الذين يستجيبون فى نشوتهم إلى حماس الدعوة الدينية وغيرتها ، وعلى وجه الخصوص عندما يرون الآخرين يتمتعون بفرح عجيب لا يمكن أن يكون مصدره بشـــرياً أو إنسانياً على الإطلاق، ... وأنه فى الحقيقة كان مخدوعاً لم يصل الإيمان به إلى حد التجديد والتغيير الكلى والخليقة الجديدة فى المسيح يسوع ، وأغلب الظن أن هناك سببين أساسيين وقفا فى طريقه ، وهما على الدوام من أخطر المعطلات فى الحياة الروحية وهما :



الشهرة الضائعة

هل سمعت عن ذلك الجندى الذى ضاق بالحياة ، وضاقت الحياة به . فقرر الانتحار على ما تذهب القصة ، . ولكنه سأل نفسه قائلا : إذا انتحرت فسآذهب مجهولا دون أن يدرى بى أحد !! .. فلماذا لا أنتحر واسجل اسمى فى التاريخ فى الوقت نفسه ، ولن يكون ذلك إلا بقتل الملك ، قبل أن أنتحر أو أقتل !! .. وذات يوم صوب سلاحه إلى الملك ، فأخطأه وقبض عليه ، وفى التحقيق عرف الملك قصده،... وقال : إن حكمت عليه الآن فأنا أحقق له مقصده ، وانتوى الملك أمر آخر، فقرر إخلاء سبيله ، بل ورفع رتبته ، إذ جعله ضابطاً ، وأخذ يشجعه على الحياة ويبعده عن التشاؤم ، ويدفعه فى سلم الترقية حتى جعله وزيراً ، ... وتغير كل شئ فى نظر الرجل ، ... وقال له الملك : لقد قررت أن أزوجك ابنتى ... وكانت هذه قمة أحلامه !!! ولم تكن الزوجة سوى المقصلة التى أعدها له فى ميدان عام !! .. وشتان بين الموت للجندى والموت للوزير صاحب المركز المرموق ، ... فإذا كان سيمون قد بلغ أقصى الشهرة ، وأضحى قبلة أنظار المدينة ، فإنه لا يستطيع أن يرى الجميع يتحولون عنه إلى المبشر الجديد فيلبس ، ... والموت أهون عنده من فقدان الشهرة العظيمة التى وصل إليها ، .... كان ثموستيكليس لا يعرف النوم كلما سمع الناس فى أثينا يمتدحون أرستيدس ، ... ولست أعلم كم من الأيام والليالى قضاها الرجل دون أن يذوق طعم النوم والمدينة كلها متجهة إلى فيلبس !!.. ومن الناس من يريد أن يكون الأول فى جهنم وليس الآخر فى الجنة !! ..



المال المفقود

على أن إيمان سيمون تعرض لتجربة أقسى وأشد ، ... لقد كان الرجل يكسب ذهباً من سحره وشعوذته ، فكان المال يتدفق عليه من كل مكان ، والرجل يدعى أو ينصب أو يغش أو يخدع ، فكل شئ مباح فى سبيل المال ، ... وها قد وفد إلى المدينة رجل لا يطلب مالا ، ولا يعطى شيئاً بمقابل ، ويده مبسوطة للمساعدة والإحسان والخير والرفق والرحمة ، ... وجف النهر الذى كان يتجه إلى الساحر ، ونضب المورد ، وصرخ القلب غير المستقيم : وما الفائدة من الإيمان وما المنفعة من الدين إذا كان لا يغدق المادة بغير حدود !! .. حقاً إن " محبة المال أصل لكل الشرور الذى إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة " (1تى 6 : 0 1 ) !! ..

فإذا كان حب الظهور يقصم الظهور كما يقولون ،فإن السير وراء المال يميل بصاحبه على الدوام إلى الخراب أو الضياع ، فإذا اجتمع الاثنان معاً ، فانهما يقودان إلى الهلاك المحقق الذى ذهب إليه سيمون الساحر !! ..



سيمون المرير النفس

كان سيمون أشبه بالوعل الذى ينخبط فى شبكة أو الأسد الذى أسر فى قفص من حديد ، أو النمر المزمجر الذى أمسك بالحبال القوية ، وذلك ما وصفه به الرسول بطرس فى القول : " لأنى أراك فى مرارة المر ورباط الظلم " ... ( أع 8 : 23 ) وهل يحصد القلب غير المستقيم سوى ذلك .. لقد امتلأ قلبه بالحسد من فيلبس ، والقلب الحسود لا يمكن أن يعرف الهدوء والراحة والأمن والسلام طالما بقى المحسود قائماً أمامه ، والموضوع الذى يسبب الحسد بارزاً وواضحاً !! . وقديماً قال الشاعر العربى:

اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتلـــه

فالنار تأكل بعضـــــــــــها إن لم تجد ما تأكـله

لقد تحولت تجارة الرجل الضائعة لهيباً يحرق حياته بأكملها ، وهناك تقليد يقول أنه خرج من المدينة إلى روما لعله يعوض فى العاصمة ما فاته من الخسارة فى المدينة التى اكتسحها الإيمان المسيحى !!

ومن الثابت على الدوام إن الانقسام الحسى أو الإزدواج النفسى ، أو التأرجح بين الحق والباطل ، لا يمكن أن يعطى الإنسان راحة أو هدوءاً أو استقراراً أبداً ، .... وهل يستطيع أن يجمع بين مبادئ المسيحية وحبه المال وبين إنكار الذات وشهوة الشهرة ، ... وهل يمكن أن يكون غنياً وفقيراً فى الوقت عينه ، أو طماعاً ومتعففاً فى ذات الوقت ... مسكين هذا الرجل ، ومسكين كل إنسان يعيش نظيره يحاول أن يجمع بين المسيح وبليعال ووبين الخير والشر ، وبين الحق والباطل ، وبين روح اللّه والشيطان المستقر فى قلبه !! ... إن عذاب مثل هذا الإنسان ليس شيئاً خارجاً عنه ، بل هو فى الداخل كامن فى أعماق نفسه فى " قلبه غير المستقيم أمام اللّه "...



سيمون والتجارة القبيحة المحرمة

بلغ الرجل بشاعته الكاملة ، عندما " خشخش " بجيبه للرسول بطرس ، .. وهو يؤكد له أن الدنيا تجارة ، مهما اختلفت بضاعتها ، والشاطر هو الذى يحسن التجارة ويستثمرها وينميها ، ... كان يتاجر قبلا بالسحر ، فلماذا لا يتاجر بالدين أيضاً ، وهو ساحر فى جلب المال ينتزعه من جيوب الناس بخفة يد لا نظير لها ، والدين يمكن أن يكون سلعة كباقى السلع تباع وتشترى ، .. وبطرس كما هو باد من مظهره رجل فقير ، قال ذات مرة لمن يطلب إحساناً : " ليس لى فضة ولاذهب " .. ( أع 3 : 6 ) وسيمون عنده الكثير من الفضة والذهب ، فجيبه ممتلئ ، وبيته ممتلئ ، فإذا لم يكف ما فى جيبه ، فإنه يستطيع أن يركض إلى البيت ، ويأتى بالكثير ، وبطرس يستحق أن يعطى ، فهو رجل طيب ، ومحتاج ، ولا يمانع بتة ، وسيكون مجنوناً لو رفض العرض السخى المقدم له !! ..

ومع أن بطرس رفض العرض بالقسوة البالغة فى القول : " لتكن فضتك معك للهلاك لأنك ظننت أن تقتنى موهبة اللّه بدراهم " ... ( أع 8 : 20 ) إلا أنه منذ ذلك التاريخ شاع عرض الرجل فى الكنائس عندما انحطت وبلغت الحضيض ، وأصبحت الوظائف الكنسية تشترى بالآلاف وعشرات الآلاف من الجنيهات ، وأطلق على ذلك " السيمونية " نسبة إلى سيمون الساحر القديم الذى جعل الوظيفة الكنسية سلعة تباع وتشترى ، ويقدر عليها المقامرون الذين حولوا بيت اللّه إلى مغارة لصوص !! ..

ومن المؤسف أن هذه التجارة راجت بشدة فى أطوار تاريخية متعددة بين كثيرين من رجال الدين الذين جاءوا بعد بطرس الذى ألقى بدراهم سيمون معه إلى الضياع والهلاك !! ..

امتلأ بطرس بالغضب المقدس ، وهو يتحدث إلى الرجل ، ولعل هذا الغضب كان نوعاً من الرحمة ، لو أن سيمون وعاها وأدركها ، لقد بين له الرسول بشاعة عمله ، وفى الوقت عينه فتح أمامه طريق التوبة أمام اللّه ، بالندم والصلاة ، .. وحسم بطرس الأمر فى كل التاريخ إذ لا نصيب أو قرعة لمن يستخدم المال وسيلة للقفز إلى الخدمة الكنسية ، وهى لمن يفعل ذلك طريق إلى الهلاك والضياع الأبدى!!.

إن الرواية الكتابية تشجع على التصور الذى جاء فى التقليد من أن الرجل تحول عدوا سافراً للمسيحية فى كل مكان ، ودخل فى الصراع معها كالمرتد الذى يريد أن يتجاهل ارتداده أو يغطيه بالحرب على ما كان يعتنقه أو يؤمن به ، وذهب سيمون إلى جحيمه الأبدى ، ومازال السيمونية تلعب دورها التعس ، وأغلب الظن أنها ستظل تفعل ذلك ، إلى أن يأتى المسيح ويقف كل واحد أمام عرشه ليعطى حساباً عما فعل بالجسد خيراً كان أم شراً !! ..

تدشين أكبر صليب مضاء في العالم في لبنان


فيديو محاضرة اليوم 15-9-2010 عن يجول يصنع خيرا





حصري فيديو محاضرة اليوم 15-9-2010 يجول يصنع خيرا



فيديو محاضرة اليوم 15-9-2010

عن يجول يصنع خيرا

حمل هناااا



...

فيديو رأس البابا كيرلس يزرف دم






ترنيمة واخيرا امجد فوزى - مجدى لبيب : فيديو

m







ترنيمة واخيرا امجد فوزى - مجدى لبيب

ملابس قداسه البابا كيرلس السادس











الكتاب المقدس مسموع



استماع مباشر وقرائه الكتاب المقدس كامل


اوديو محاضرة قداسة البابا شنودة عن الشهداء وعيد النيروز ليوم 8\9\2010

اوديو محاضرة قداسة البابا شنودة عن الشهداء وعيد النيروز ليوم 8\9\2010

صورة


http://www.copticpope.org/modules.php?n ... it&lid=894

صورة

http://www.copticpope.org/modules.php?n ... it&lid=895

صورة

http://www.copticpope.org/modules.php?n ... it&lid=896
 
 
...

منتظرو الرب ترنيمه جديده للمرنم بيشوى رأفت

















حصرى منتظرو الرب -للمرنم بيشوى

استمع إلى ترنيمة منتظرو الرب

بصوت المرنم بيشوى رأفت

اضغط هنا للتحميل

 


شريط لغيرك ممنوع اللمس




الوجه الاول
لغيرك ممنوع اللمس - فاديا بزي
يا نفسي هللي - ايريني ابو جابر
عال مرتفع - زياد شحاته
راعي جميل - فيفان السودانيه
حبك ليا - مرنمين
http://www.megaupload.com/?d=OQPLUKWR

الوجه الثاني
الهنا عظيم - مرنمين
ماتسبنيش - ايريني ابو جابر - منال سمير
مين زيك - مرنمين
ابدا مش صدفه - ماهر فايز
مرفوعين - فاديا بزي
http://www.megaupload.com/?d=6P04NPHL


.

فيديو: محاضرة قداسة البابا شنودة الثالث عن الحكمة

شريط شفيع المتعبين


شفيع المتعبين ابونا سمعان الاخميمى
شفيع المرضى وكل التعبانين




من ترانيم الشريط


بحر التجارب


ياضلمة مالك



الشريط بصوت الشماس انطون ابراهيم عياد
 
http://www.megaupload.com/?d=SLUR9HN9

محاضرة البابا عن الشك ليوم 14\7\2010

محاضرة البابا عن الشك ليوم 14\7\2010





شخصية ( زوجة بيلاطس ) من شخصيات الكتاب المقدس


زوجة بيلاطس


«إياك وذلك البار لأني تألمت اليوم كثيرًا في حلم من أجله».






مقدمة


أليس للمرأة أن تتنيه وتفخر على الرجل كلما قرأت قصة الإنجيل؟ أليس لها وهي توازن بينها وبين الرجل في علاقتهما بالمسيح أن تشيد ترنمًا لأنها عاملته معاملة أحسن وأنبل وأجل؟ لقى المسيح من الرجال فصولاً متعددة ليس فيها ما يشرف الرجولة في شيء!! وجد منهم من تبعه قليلاً ثم ارتد عنه!! من أكل خبزه ثم رفع عقبه عليه!! من ضفر له إكليل الشوك وألبسه رداء السخرية، وتفل عليه ومثل به!! أجل.. رأى المسيح من الرجال الهازيء والساخر ومنكر الجميل، وحتي تلاميذه الأوفياء ابتعدوا عنه وولوا يوم الصليب. وأشجعهم أقسم أنه ما عرفه أو اتصل به!!.. أما المرأة فما أجلها وأنبلها وأرقها وألطفها في معاملتها له! وهل تجد امرأة واحدة في كل الإنجيل امتهنته أو احتقرته أو أساءت إليه؟ كلا... لقد وجد منهن كل ولاء وتوقير وتعبد!! وجدهن دائمًا أقرب إليه وإلى قلبه وفكره ومشاعره وإحساسه... في بيت سمعان الفريسي وجد من الرجل خشونته ومن المرأة تعبدها!! وفي بيت سمعان الأبرص أبصر من التلاميذ غيظهم ومن مريم طيبها، وأورشليم، تلك المدينة الخالدة في مأساتها الآثمة الشريرة، ألم نسمع رجالها يقولون أصبلة، بينما سارت بناتها وراءه حزينات باكيات يلطمن وينحن عليه. هذا الفرق البعيد سنبصره اليوم واضحًا خالدًا مخيفًا أبديًا بين بيلاطس وزوجته.. في كل الأجيال تدوي هذه الكلمة المرعبة المخيفة: «بيلاطس البنطي الذي حكم على يسوع» ويقف هذا الرجل الروماني على رأس أكبر جريمة عرفها التاريخ مصفد اليدين بأغلال أنانيته وشره وقسوته، اليدين اللتين حاول في ضعف ورياء وجبن أن يغسلهما من أزكى دم جرى على هذه الأرض، بينما تقف - في الجانب الآخر - زوجته النبيلة الرائعة تجاهد ما استطاعت لتخرجه وتبعده عن هذه التبعة الثقيلة القاسية: أي كلوديا بروكولا! أي أيتها الزوجة العظيمة أن عواطفي تستحثني دائمًا أن أصدق ما قيل عنك في التقليد أنك أصبحت مسيحية.. وما ذكرتك ألا وذكرت حكمة مولاي الصادقة: يكون اثنان على فراش واحد يؤخذ الواحد ويترك الآخر.. لقد سموت أنت بعظتك إلى السماء، وهوى هو إلى أعماق الجحيم، وعذابه الأكبر إنه لم يستمع إلى نصيحتك المحذرة.. أكاد أسمعه ينادي السماء أن ترسل كلوديا بروكولا لتبل طرف اصبعها بماء وتبرد لسانه لأنه معذب في اللهيب.. ولكن هيهات!! لقد استوفى كل أجره.. وقررت الأرض مصير الاثنين الأبدي، كل حسبما اتجه وسار.


هذه هي المرأة التي أريد أن تتأملها الآن بنعمة الله في كلمتين: من هي؟ ما مواقفها العظيمة؟






من هي زوجة بيلاطس؟


لعلنا أقرب في تقصي قصة هذه المرأة إلى علماء الجيولوجيا والتاريخ الطبيعي الذين يظفرون بحقائق واسعة من معلومات صغيرة، فما نعرفه عنها لا يتعدي بضعة سطور كتبها التقليد، وآية واحدة في إنجيل متى، غير أن هذه الآية وتلك السطور ترسم لنا في وضوح وجلاء ملامح وجه رائع جميل، يقولون إن اسمها كلوديا بروكولا، رومانية الجنس وأغلب الظن أنها كزوجة لوال ممتاز كانت امرأة تنتمي إلى الطبقة الارستقراطية العلية كما لابد أنها كانت على حظ وفير من المعرفة والعلم، والذي يبدو لنا من تتبع قصتها إنها كانت رفيعة النفس سامية الخلق، وهذا يظهر من اصطحابها لزوجها وتغربها معه الأمر الذي لم يكن يجيزه القانون الروماني إلا في أعسر الأحوال وأشدها استثناءا، فإن أوغسطس قيصر أصدر أمرا بتفضيل الوالي الأعزب على المتزوج، وضرورة بقاء زوجته في أرض الوطن إن كان متزوجًا، وقد أبقى طباريوس قيصر على هذا القانون وإن كان قد خفف من غلوائه، وتسامح في تطبيق نصوصه، ولعل القصد من قانون كهذا هو بعض ما يقصده القانون الإنجليزي الذي يمنع البحار من مصاحبة زوجته له أثناء عمله، لئلا تصرفه عن واجبه أو تعوقه عن إتمامه، أو ما تذهب إليه بعض الدول من تحريم زواج سفرائها بالأجنبيات حرصًا على نزاهة خدمتهم وخلوها من كل شائبة وشبهة ولعلك تعجب إذ تعلم أن أكثرية الولاة الرومانيين كانوا يسرون بهذا القانون ويستريحون إليه إذ كان يعفيهم من رقابة زوجاتهم البغيضة، ولعلك تعجب أكثر عندما تعلم أن الزوجات بدورهن كن لا يجدن غضاضة في تقبله والترحيب به في عصر فاض بالخلاعة والمجون والاستهتار والبعد عن الأمانة الزوجية، لكن زوجة بيلاطس لم تكن من هذا الصنف الوضيع بل كانت زوجة شريفة تحب زوجها وتخلص له وتحرص على راحته وعدم مفارقته أينما سار وأني توجه، ولعلها جاهدت كثيرًا حتى أعفيت من تطبيق هذا القانون عليها، كما يظهر أنها كانت ذات طبيعة رقيقة شاعرية حساسة، وحلمها ينبيء إلى حد كبير عن مبلغ رقتها وشاعريتها واحساسها، والأحلام كما يقول رجال النفس إن هي إلا انعكاس طبائعنا وعقلياتنا وغرائزنا، ولئن كان هذا الحلم وحيًا إلهياً خالصاً، فإننا نعلم أن الله يوحي إلى النفوس دائمًا على أساس طبيعتها واستعدادها وانتظارها، ويصور لها ما يريد في صورة أقرب إلى تقديرها وتفكيرها وشعورها وتصورها، فيوسف الصديق في صبوته الساذجة البريئة المشبوبة الرؤى جاءته رسالة الله في صورة حزم تقوم وتسجد لحزمته الواقفة المنتصبة، والشمس والقمر والنجوم تتعبد له وتنحني أمامه، ورئيسا الخبازين والسقايين عرفا كل مصيره مما يتصل بطبيعه عمله وصناعته، ونبوخذنصر الملك العظيم رأى أمامه في رؤى الليل تمثالاً عظيمًا يحطمه حجر قطع بدون يدين، أو شجرة وارفة زاهية مزهرة ينزل عليها قضاء الله من السماء، وبطرس الجائع أبصر أمامع ملاءة عظيمة مربوطة وفيها كل دواب الأرض والوحوش والزحافات وطيور السماء، وبولس النازع إلى التبشير والمشوق إليه جاءه في دجى الليل رجل يستغيث: أن اعبر إلى مكدونية واعنا. ولذا فنحن نظن أن المرأة التي تتألم كثيرًا في حلم من أجل بار تعبر لنا بألمها عن نفس إنسانية رقيقة القلب مرهفة الشعور، كما يخيل إلينا أنها كامرأة رومانية أخذت عن الطبع الروماني حب العدالة الذي يجعلها تقف لمناصرة الحق وتأييده مهما تكن الظروف، هذا الحب الذي تمكن من بروتس القاضي الروماني فحكم على ولديه بالإعدام حيث ثبتت إدانتهما، وإن عجز كأب أن يرى موتهما عند التنفيذ.. ومن أجل هذا وقفت هذه المرأة إلى جانب المسيح في وقت عز فيه الوقوف على كثيرين.






ما مواقفها العظيمة؟


لهذه المرأة ثلاثة مواقف عظيمة فهي: «الزوجة المحذرة لزوجها، الزوجة الواقفة إلى جانب المسيح، الزوجة التابعة للمسيح».






الزوجة المحذرة لزوجها


لعل أقوى الأصوات التي رنت في قلب بيلاطس كان صوت زوجته، فلا أظن أن هذا الرجل كان يبغض امرأته أو ينفر منها، بل لعلها كانت عنده مدللة محبوبة عزيزة الجانب وهنري ملفيل يؤمن إن الله إرسل تحذيره إلى بيلاطس عن طريق زوجته لأن مجيئه منها أوقع في قلبه وآثر إلى نفسه... إن صوتها هو الصوت الرقيق العطوف الذي شاءت عناية الله أن يرن في جوانب نفسه الموحشة القلقة برنينه العذب الساحر عساه أن يدفع عنه ما يوشك أن يفعل، والمصير الذي يخشى أن يتجه إليه، إنه ذلك التوازن الذي يحدثه الله في حياتنا حتى لا تطغي علينا قوى الشر، إنه ذلك الملاك الذي يوقفه الله إلى جانبنا في الوقت الذي يقف فيه الشيطان إلى الجانب الآخر.


نحن لا نعلم ماذا رأت المرأة في حلمها؟ وماذا آلمها؟ أيرجع الأمر إلى أنها رأت كما يظن البعض مأساة الصليب قبل أن تتم بصورتها المفزعة الرهيبة فلم تتحمل المنظر؟ قد يكون هذا... ومن يرى المسيح المصلوب دون أن ترق نفسه وتتألم وتعطف !!... ماثيو ارنولد الرجل الذي انحنى على إيمانه يبكيه، لم يمكنه أن يقف من «الإنسان المتوج بإكليل الشوك» دون أن يذخر بإحساس الهيبة والخشوع للملك العظيم المتألم، وجوته شاعر الألمان في كتابه «اعترافات نفس جميلة» يرينا نفسه وقد هدمت بها أحزان ثقيلة ورانت عليها هموم وأوجاع متعددة، فجلس واضعًا رأسه بين يديه على مائدة، وفي تلك الساعة الصامتة الحزينة، ارتقى بفكره إلى الجلجثة، إلى ذلك مات الذي من أجله، ورآه في نبله وحبه وجوده يأخذ مكانه في الخطية والدينونة والحكم، فلم يستطع إلا أن يغرق عذاباته في عذابات ابن الله، وإلا أن تفيض نفسه بأقوي المشاعر وأنبلها وأقدسها... على أن حلمها قد يكون أيضًا كما تخيلها مصور مشهور في صورة أبدعها، وفيها يرينا إياها واقفة في شرفة واسعة تحدق في الفضاء البعيد وإذا بها ترى مواكب الأجيال المتعاقبة تسير وفي مقدمتها المسيح حاملاً الصليب، ومن ورائه الاثنا عشر تلميذًا، فالكنيسة في العصر الرسولي والعصور الأولى بأبطالها بوليكاربوس وترتليانوس واثناسيوس وغريغوري وفم الذهب وأوغسطينوس، وخلفهم الكنيسة في العصور الوسطى والصليبيون في ملابسهم الزاهية ووراءهم كنيسة العصر الحاضر وملايين لا تعد ولا تحصى من البشر، وتحف بالجميع كوكبة هائلة من ملائكة الله، وتدهش زوجة بيلاطس إذ ترى الصليب يتحول شيئًا فشيئًا حتى يضحى كوكبًا جميلاً بارعًا يملأ السماء ويفيض بأنواره المتلالئة على الكون، وهناك من قال إنها أبصرت يوم الدينونة، وقد انقلبت الأوضاع، وجلس المسيح على كرسيه يدين الشعوب، وإذا بيلاطس يأتي أمامه مرعوبًا مرتعدًا مصفدًا، قد يكون هذا أو ذاك أو غيره، إن الذي يعنينا فقط من حلمها هو الأثر الذي تركه فيها، والرسالة التي أوحى بها إليها لقد أشفقت على زوجها، ففعلت ما تفعله كل زوجة عظيمة نبيلة تدرك مسؤوليتها في الحياة، إذا أرسلت إليه تحذره وتجنبه مسؤولية صلب المسيح، حقاً إن الزوجة كما دعاها أحدهم الضمير الثاني للإنسان، وكم فعل هذا الضمير في تاريخ البشرية؟ اذ رفع صاحبه إلى المجد أو هوى به إلى الحضيض، قاده إلى الخير أو دفعه إلى الشر، سار به نحو الفضيلة أو نحا به نحو كل موبقة وإثم.. في أحد أبهاء قصر من قصور البندقية هناك صورة كبيرة رسمها مصور كاثوليكي للسماء والمطهر والجحيم، وقد رسم زوجته في هذه الصورة في أوضاع ثلاثة. في الوضع الأول العلوي، في السماء، ترتدي ثوبًا أزرق جميلاً ناصعًا، وقد فاضت بالدعة والنور والإشراق والابتسام والوجه الملائكي، وفي الثاني الأوسط، في المطهر كما تحدثه عقيدته، تبدو في مظهر المرأة العادية التي لا شيء يستلفت النظر إليها، وفي الوضع الأخير السفلى، في الجحيم، تظهر في هيئة مخيفة مرعبة، ينبعث الشرر واللهب من عينيها المتقدتين. ولعل هذا المصور قد أراد أن يحدثنا عن تاريخ علاقته الشخصية بزوجته، ففي بدء زواجهما عاشا أياما قصيرة هانئة سماوية، انحنت فيها زوجته عليه بكل عطف ورقة واشفاق وجود، على أن شيئاً من الخلاف والفرقة دب بينهما فأضفى على علاقتهما نوعًا من الضعف والملل والفتور، الذي لم يلبث أن انتهي بحياة هذا المصور إلى التعاسة والشقاء، إذ أضحت حياته الأخيرة مأساة قاسية، كانت فيها زوجته جلاده وشيطانه ومعذبه الأكبر.


إذا استعرضنا سير الوحي وقصص التاريخ البشري رأينا لذلك أمثلة عديدة بارزة يعوزنا الوقت في جمعها وحصرها، أليست سارة ورفقة وراحيل وراعوث وأليصابات وحنة وبريسكلا ومسز برواننج التي أنقذنها محبة زوجها من مرض عضال فأوقدت فيه العبقرية والإحساس والشاعرية، ألسن هؤلاء ومن على غرارهن أمثلة طيبة لما يمكن أن تفعله الزوجة المحبة الحنون، بينما في الحين نفسه تقف زوجة شمشون ونساء سليمان وإيزابل وسفيرة وهيروديا ودروسلا وبرنيكي ومن على شاكلتهن أمثلة سيئة لما يمكن أن تفعله المرأة الشريرة في زوجها. إن أول واجبات الزوجة أن تقف في طريق زوجها لتمنعه من الاندفاع وراء الشر أو الغواية أو الإثم.






الزوجة الواقفة إلى جانب المسيح


أذكر أن اسبرجن كان يتأمل مرة الآلام الهائلة التي عاناها مخلصنا يوم الصليب، وقد اشتد به الحزن وضاقت نفسه، وهو يرى مولانا في عذاباته الهائلة وكأنما يصيح في لغة نبوته القديمة: «أما إليكم يا جميع عابري الطريق تطلعوا وانظروا إن كان حزن مثل حزني الذي صنع بي الذي أذلني به الرب يوم حمو غضبه». لقد مثلت ساعتئذ أمام الواعظ الكبير تفاصيل الصلب المخيفة، حتي لم يعد يحتمل منظرها فصاح فزعًا: مولاي إنني لا أستطيع أن أبصر كل هذا! ترفق بي فإن هذا كثير على! وفي تلك اللحظة أطل عليه وجه رائع جميل، وجه ندى بالحنان، فائض بالعطف، رائع بالحسن، يهتف بكلمات تسيل رقة ودعة وعذوبة، وجه أنساه الألم العميق الذي ران على قلبه وضغط عليه، وكان هذا الوجه وجه زوجة بيلاطس التي وقفت إلى جانب السيد بكلمتها العظيمة الخالدة: «اياك وذاك البار». ألا ما أجل هذه العبارة السامية تلفظها هذه السيدة الكريمة في هذا الموقف الدقيق! سنذكر بكل امتنان بنات أورشليم اللواتي سرن وراءه يبكين وينحن عليه، فنثرن بذلك في طريق الألم والصلب أجل زهور بعثها القلب الإنساني الرقيق!! ولا نمل أبدًا أن نجد في شهادة اللص التائب أروع الشهادات وأعظمها وأنبلها!! وسوف تتحدث بكل تقدير وتوقير وإعجاب عن قائد المئة الذي أخذ بجلال موت المسيح فهتف حقًا كان هذا الإنسان باراً، كل من قدم خدمة لمولانا يوم الصليب سنذكرها بكل شكر وعرفان ولكننا لن ننسى أن نذكر قبلها جميعاً شهادة زوجة بيلاطس ذلك لأنها كانت أسبق الكل في الوقوف إلى جانب مولانا. وأجرأ الشهود وأشجعهم عامة هو الشاهد الذي يقف في الطليعة في طريق العاصفة ولا يحنى رأسه، فيشجع الجنباء والمرددين على الاحتذاء والمشابهة، كما أنها المرأة التي غلبت صوت ضميرها على أمر القانون الروماني الذي كان يحرم تحريمًا باتاً أي إشارة أو وإيعاز يأتي إلى القاضي حين يجلس في منصة القضاء، كما كان يفرض أشد العقوبات على من يحاول ذلك، وبذا أظهرت أن قانون الضمير للنفس النبيلة هو أعلى من أي قانون بشري، وأن النفوس التي لا تخطيء ضد الضمير هي أنبل النفوس إطلاقًا على هذه الأرض، كما ينبغي ألا يغيب عن الذهن ارستقراطية هذه المرأة والارستقراطيات بحكم مركزهن قلما ينزلن إلى ميدان الخدمة والبذل، ألم يشتك عاموس قديمًا من بقرات باشان، السيدات اللواتي لا يعرفن سوق الأكل والشرب واللهو والاضطجاع على أسرة العاج؟ لكن زوجة بيلاطس لم تكن كذلك، بل كانت الرائدة الأولى لكل المترفات اللواتي لفظن حياة التنعم والدعة والمسرات، ووقفن إلى جانب السيد وفي سبيل خدمته.


أيتها السيدات الغنيات في كنيستنا، آني أفخر بالكثيرات منكن لروح الشهادة عندكن ولكني أخشى أن توبخ زوجة بيلاطس أغلبكم، كم مرة أهين المسيح أماكن ولم ترفعن أدنى صوت احتجاجاً؟ كم مرة وقف المسيح ليحكم عليه بضعة حقيرة من الناس والدهماء دون أن تسمع منكن كلمة دفاع واحدة؟ كم مرة صمتن عن الشهادة معتذرات بأنكن لا تستطعن مناهضة التيار الجارف؟ كم مرة حاولتن اسكات الضمير بأن كلمتكن لن تجد من يصغي إليها وستذهب مع الهواء هباء؟ اذكرن امرأة بيلاطس تجدن أسبابًا كثيرة لشجاعة الشهادة وقوتها وعظمتها وروعتها..






الزوجة التابعة للمسيح






في رواية التقليد قصة شائقة عن هذه المرأة وجدت سندها عند كثيرين من الآباء الأولين، إنها حين جاءت مع زوجها إلى بلاد اليهودية فتنت بديانة اليهود وأحست بقوتها وجمالها وسموها على الديانات الوثنية فآمنت بها وتهودت، كما أنها تابعت بإعجاب وشغف حياة المسيح وتعاليمه ومعجزاته، وأحد الكتاب يصور لنا بأسلوبه الخيالي الرائع هذه المرأة المفتونة بالسيد ترسل وراءه رسلها أينما ذهب ليأتوها بأخباره وأعماله ومعجزاته وتعاليمه، ولقد روعها حقًا أن يتردى زوجها في الجريمة البشعة جريمة تسليمه المسيح للصلب، وقد قيل أنها آمنت بقيامته كما تابعت تعاليم التلاميذ مدة الستة الأعوام التي قضتها في اليهودية مع زوجها بعد صلب مخلصنا، أما هذا الزوج فقد كانت حياته الأخيرة سلسلة من التعب والشقاء والآلام، فقد خلعه الإمبراطور من منصبه لجرائمه المتكررة، ونفاه إلى بلاد الغال حيث انتحر هناك إذ قذف بنفسه إلى أسفل من فوق قمة جبل تحت تأثير البؤس واليأس والندم ولذعة الضمير، أما زوجته فقد انضمت في روما إلى كنيسة المسيح، وأضحت واحدة من القديسين وأهل بيت الله.






أي كلوديا بروكولا! أي أيتها المرأة النبيلة! أكاد أرى الدموع في عينيك من وراء القرون الطوال التي تفصلها عنك، لأني رأيتها في قديسات كثيرات مثلك حوالي، في أولئك اللواتي كان أزواجهن لهن بمثابة الحمل والشوكة والصليب، لكم جاهدن بدموع في سبيل خلاصهم!! ولكم صحن مراراً في روح بولس حين قال: «أقول الصديق في المسيح. لا أكذب وضميري شاهد لي بالروح القدس إن لي حزنًا عظيمًا ووجعًا في قلبي لا ينقطع، فإني كنت أود أن أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد» ولما يئسن رحلن عن هذا العالم كسيرات القلب حزينات يذكر لهن الله والعالم أنبل الجهاد وأروع الدموع.






ما كنت يا بروكولا تودين أبدًا أن ترقي إلى السماء بمفردك، كنت تودين أن تصبحي زوجك معك.. على أنك وإن كنت وقد فشلت معه فلن ينسى الله والعالم دموعك النبيلة، وسيذكر التاريخ لك أنك نجحت، ونجحت نجاحًا كبيرًا... نجحت مع نفسك، ونجحت مع نفسك، ونجحت مع المسيح، ونجحت معنا نحن الذين ما نزال إلى اليوم نقرأ قصتك بكل شغف وتقدير وإعجاب وحماس.





شخصية ( زوجة فوطيفار ) من شخصيات الكتاب المقدس

زوجة فوطيفار


«أن امرأة سيده رفعت عينيها إلى يوسف»


مقدمة


لست أعلم لماذا جاءت هذه القصة مبكرة علي الصفحات الأولى من كتاب الله ولماذا حرص الوحي على أن يوردها على هذه الصورة على المسرح رغم ما فيها من دقة وقسوة وحساسية!!؟ هل يرجع الأمر إلى أن قضية الجنس هي واحدة من أهم القضايا وأعمها بين بني الإنسان إلى الدرجة التي جعلت عالم النفس الكبير فرويد يرد كل شيء في حياة البشر إليها!!؟


كما أن كتاب التاريخ والقصصيين والمثالين والمصورين والممثلين على شتى مسارح الدنيا يكادون في كل مكان وزمان يمدون الأصبع جميعًا ويشيرون إلى المثل الشائع المعروف : فتش عن المرأة!!.. أم لأن الصورة كما رسمتها القصة القديمة جاءت حافلة بأعمق الألوان في النور أو الظل على حد سواء. فاذا كانت أساطير اليونان، وهي تعرض لنا قصة هرقل ممن يعدونه أعظم أبطال اليونان، وكان عبدا لأحد الملوك، قد جلس على قارعة الطريق محزونًا متضايقًا مكروبًا في صدر شبابه، واذا بفتاتين حسناوتين تتقدمان إليه.. الأولى بحياة ممتلئة بالبهجة والرخاء والمسرة واذا يسألها عن اسمها تجبه أنا اللذة، وإن كان الأعداء يلقبونني آسم آخر هو الرذيلة!!... أما الثانية فقد أصدقته القول بأنها لا تستطيع أن تعطيه ما زعمت أو ادعت الأخرى إلا أنها يمكن أن توفر له حياة أفضل وأجمل متعة وممتلئة بالكفاح والحق والبطولة والشرف، واذ سألها ما اسمها أجابت: «الفضيلة!!.. ورفض هرقل نداء الرذيلة، ليسير في صحبة الفضيلة كل أيام حياته، ويضحي صديق البائس والمنكوب والمعوز والمحتاج والبطل الأسطوري الأعظم عند اليونانين جميعًا وهوذا أعظم من هرقل ههنا! هذا يوسف الذي صاح صيحته المدوية، وهو عبد في مواجهة التجربة، كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطيء إلى الله!! على أن القصة من الجانب الآخر، تعرض كيف يكسب الشر المعركة، ولكنه مع ذلك يخسر الحرب، كما حدث مع الشاب القديم الذي خرج من الحبس لا ليستمتع بحريته فحسب بل ليعوض عما ناله من حيف وظلم على الصورة التي أضحت مع الزمن مثلا وعظة وعبرة لكل من يريد أن يتعظ ويتعلم ويعتبر وها نحن نعرض القصة من جوانبها التالية :






الزوجة وسر التجربة


من الأقوال المأثورة للفيلسوف سينكا: إن الإنسان لا يموت ولكنه يقتل نفسه، وقال أحد الكيميائيين المعاصرين إن الإنسان ينتحر بالشوكة والسكين والمعلقة، يقصد بما يتناوله من طعام، فإذا كان سينكا يتحدث عن الموت من وجهته السياسية، أو الاجتماعية، أو الأدبية، فان الإنسان قد يموت موتًا أفظع وأرهب وهو ينصب الشراك لنفسه من الوجهة الروحية. ولعل تجربة هذه المرأة القديمة، قد اشترك فيها ثلاثة، يدرون أو لا يدرون وهم يوسف وفوطيفار والمرأة نفسها ولعل التجربة بدأت من اللحظة التي دخل فيها يوسف هذا البيت إذ كان كما نعلم، على أروع صورة من الحسن والبهاء والجمال، كفتى في أول خطى الشباب، في السابعة عشرة من عمره، على أنه كان أكثر من ذلك، حلو الحياة، خفيف الظل، سريع الحركة، جميل اللفظ، مدبراً، مفكرًا، عاقلاً، وديعًا، متواضعًا، وكان طوال عشر سنوات، قضاها في بيت فوطيفار أشبه بالقمر الجميل وهو يزداد تألقًا ونوراً وهو يتحول من الهلال إلى البدر، وغير خاف أن المرأة وهي ترقب هذا الجمال كانت تضعف يومًا وراء يوم عن مقاومة ما فيه من قوة رهيبة وسحر غلاب، ومصيدة الجمال ما تزال إلى اليوم في كل جيل وعصر من أخطر وأقسى المصايد التي يسعى إليها الناس بدون مقاومة كما تسعى الفراشة إلى حتفها في النور الذي يقتلها في التو واللحظة، على أن الثاني الذي شارك في التجربة كان فوطيفار نفسه، وأغلب الظن أنه وقد وثق في يوسف ووجد فيه الوكيل الأمين الصالح في الحقل أو البيت معًا، انصرف إلى عمله في بيت فرعون واستغرقه ذلك العمل حتى لم يجد متسعًا من الوقت في بيته إلا ليأكل أو يشرب أو ينام. وهكذا انصرف عن زوجته وهو لا يدرك كما ينصرف الكثيرون من الأزواج الذين ينسون أو يهملون حق البيت أو الزوجة أو الأولاد تحت ضغط ما يقال عنه الواجب أو زحمة الأعمال، مع أن واجبهم الأول المقدس - الذي لا يقل إن لم يتفوق علي كل واجب آخر - هو رعاية من لهم حتى لا يأتي ذلك اليوم الذين ينتبهون فيه، ولكن بعد ضياع الفرصة أو فوات الأوان إلى الخراب والضياع والكارثة التي ألمت بهم ببيوتهم وهم لا يدرون، على أنه إذا كان يوسف وفوطيفار مشتركين وهما لا يدريان في هذه التجربة فإن المرأة نفسها كانت أكثر الكل تقترب من التجربة أو تسعى إليها بنوع الحياة الذي كانت عليه أو عاشته في ذلك العصر، فبيتها كان ولاشك واحداً من البيوت الغنية الظاهرة المعروفة والذي اتسعت ثروته على يدي ذلك العبد الجديد الذي اشتراه فوطيفار. وأصيب البيت بما يمكن أن تصاب به بيوت الأغنياء من ترف وتنعم وما يمكن أن يلحقها من أدناس وخطايا وعيوب ومحن، ومما لا شبهة فيه أن ظاهرة الثراء تسبق على الدوام ما يمكن أن يصاب به المجتمع من تحلل وتعفن وضياع وتجارب!! وقديمًا وصف عاموس قومه من نساء ورجال بأقسى ما يمكن أن يوصف به الناس إذ وصف النساء ببقرات باشان اللواتي يعشن عيشة حيوانية. كما وصف الرجال بما هو أشبه اذ قال : «المضطجعون على أسرة من عاج والمتمددون على فرشهم والآكلون خرافًا من الغنم وعجولاً من وسط الصيرة الهاذرون مع صوت الرباب المخترعون لأنفسهم آلات الغناء كداود الشاربون من كؤوس الخمر والذين يدهنون بأفضل الأدهان».


ومهما كان بين هذه العصور بعضها والبعض أو بينها وبيننا المئات أو الآلاف من السنين عبر الزمن أو الأجيال فان الظاهرة الملحوظة أن التاريخ يعيد نفسه، وكلما ازداد الناس من الثراء والترف والتمتع كلما اقتربوا أكثر من الخواء الروحي والضياع النفسي. ولعلنا ندرك بعد هذا كله لماذا سقطت زوجة فوطيفار في مثل هذه التجربة الشريرة التعسة المحزنة.






الزوجة وقسوة التجربة


ولا شبهة أن التجربة كانت قاسية بالغة القسوة تحمل في أركانها وحواشيها كل ما يمكن أن يجعلها أشبه بالبركان المندفع الثائر المتفجر، فقد كان هناك أولاً وقبل كل شيء.. الشباب والشباب بكل ما يمكن أن يحمله التعبير من المغزى أو المعنى ومع أننا لا نعلم عمر المرأة في ذلك الوقت إلا أننا نعلم أن يوسف كان في عنفوان القوة والحيوية والشباب وليس الشباب في الواقع كما صوره أحدهم إلا برميلا من بارود ، على استعداد الانطلاق عند أي شاب أو شابة متى مسته النار أو اللهب وتزداد التجربة وتتصاعد إذا كانت ظروف الحياة وطبيعة العمل تقرب على الدوام بين الشعلة والبارود كما في قصة يوسف فاللقاء اليومي المتكرر والتعامل الدائم المستمر والاقتراب المتكاثر واللمس والرؤية والنظر والحديث والكلام هي بعض أسلحة الشيطان في الإثارة والغواية والإسقاط وقد تؤثر البيئة أو الثقافة أو الثروة أو التربية أو الجو أو ما أشبه من سرعة الاشتعال أو بطئه، ولكن الشاب هو الشاب، والتجربة هي التجربة، والخطية دائمًا قتلاها أقوياء، فلا يتصور أحد أنه في منعة أو قوة أو حصانة تجاهها فاذا كانت الخطية قد اسقطت شمشون وهو مضرب المثل في القوة، وأوقعت بداود، الذي قلبه حسب قلب الله، وانتصرت على سليمان، وهو الحكيم الواسع الحكمة والإدراك، فإنها بالأولى تستطيع أن تقضي على من هم أقل قوة ونقاء وحكمة، على أن التجربة كانت أكثر من ذلك شدة إذ كان يوسف عبدا مملوكًا لسيدته يؤمر فيطيع ويطلب فيخضع وكان في تصور المرأة أنها تستطيع أن تفعل به ما تشاء وتنال منه ما تريد وإن كانت تحولها الزلة في الواقع إلى المركز العكسي إذ تصبح الأمة المستعبدة الذليلة لأن كل من يفعل الخطية هو عبد لها. أما يوسف فقد قست التجربة عليه من هذا القبيل وطال به الزمن عشر سنوات من ذلك اليوم الذي استبدل فيه الحرية والعز والمجد وحضن أبيه، بما يعيش عليه في بيت فوطيفار من حياة مهما قيل في وصفها، فهي على أي حال لا يمكن أن تعدو حياة العبد الغريب الضائع المشرد ولعل المعارك التي يخوضها الغريب المتألم المتضايق مع نفسه هي أقسى المعارك وأشدها قاطبة مع النفس، وأكثر من الكل أن التجربة جاءت في العزلة في الوحدة والظلام ولم تأت مرة واحدة بل أخذت طابع الإلحاح والتكرار يومًا بعد يوم كما تذكر القصة الكتابية. وكل هذه قد جعلها واحدة من أقسى المعارك النفسية التي يمكن أن تحدث في حياة المؤمنين أو غير المؤمنين على حد سواء!!...






الموقف الفاصل في التجربة


على أن التجربة قد فصلت فصلاً حاسمًا بين الشاب والمرأة وأغلب الظن أن الفاصل كان مزدوجًا اذ كان فيه عنصر إلهي وآخر بشري، أما العنصر الإلهي فقد ظهر في تلك الصيحة المدوية التي رنت في كل الأجيال : «فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطيء إلى الله». لقد رأى يوسف - على العكس من المرأة - شخص الله فنجا من التجربة وانتصر عليها. ولقد صنعت له الرؤيا حواجز عالية كان من المستحيل عليه أن يتخطاها لتتحول التجربة إلى خطية، كان هناك حق الله عليه وهذا الحق يسبق على الدوام كل حق آخر ويعلو عليه وأن كان عبداً لفوطيفار أو زوجته وأن كان جسده قد اشترى بعشرين من الفضة إلا أن هذا الجسد ليس في الأصل ملكًا له أو لفوطيفار أو زوجة فوطيفار بل هو ملك لله وليس له أن يتصرف فيه إلا وفقًا لمشيئة المالك عز وجل، وأنه إذ يتصرف هكذا يعطي المجد لسيده، ولا يتعدى على حقوق الآخرين، أيضًا وهو يأبى لهذا أن يختلط حقه بحق الزوج أو يتعدى عليه ولذا نسمعه يقولك «ولم يمسك عني شيئًا غيرك لأنك امرأته»... ولو أمكن البشر جميعًا أن يدركوا هذه الحقيقة لأضحى مجد الله بين الناس هو الأساس الفعلي لكل ما يمكن أن يجدوه من حق وخير وعدل وكمال، وكانت هناك قداسة الله التي لا يمكن أن تلتقي بالشر أو ترضى عليه بل تتعارض معه وتتنافر تنافرًا دائمًا أبديًا، مع أن خطية الدنس لم يكن لها الحسبان الكثير في ذهن الناس في ذلك الوقت بل كانت شيئًا يكاد يكون عاديًا في الظلام الوثني القديم إلا أن يوسف لم يرها شرًا فحسب بل شرًا عظيمًا يخطيء فيه إلى الله قبل أن يخطيء إلى الناس، وإلى جانب حق الله وقداسته هناك عدالة الله بصفته الحاكم الأدبي الذي يحكم بين الناس جميعًا على ما يمكن أن يفعلوه أو يخرجوا به على ما أبدع من نظم أو شرائع أو نواميس، ولا يمكن لأي إنسان أن يخرج على هذه العدالة دون أن يلاحقه قصاص الديان العادل المقتدر الحكيم. ولم يستطع يوسف وقد رأي هذه الحواجز جميعًا تنهض في الطريق أن يتجاوزها أو يتعداها على العكس من المرأة التي لم تر الله فرأت التجربة واندفعت في طريقها كما يندفع الأحمق الأرعن المجنون.


ولعل هذا يأتي بنا إلى الجانب البشري الفاصل في التجربة وهنا أيضًا اختلفت زوجة فوطيفار عن يوسف، أما هي فقد انتهزت السرية والعزلة والظلام وهي تعلم أنها أقرب الطرق وأيسرها إلى السقوط والانحدار والضياع، أما هو فقد رأى في الخروج والهروب والتباعد السبيل الحق إلى الخلاص والنجاة والانتصار الكامل على ما قد يراوده من ضعف شخصي أو إغراء شيطاني.


وفي الحقيقة أن التاريخ لم يعرف حتى اليوم سبيلاً أفضل لمقاومة الشر والفساد والمجون والتجربة غير رؤية الله والهروب بعيداً وبأقصى ما نملك من قوة أو سرعة عن مجالها ومكانها وميدانها ودائرتها...






الزوجة والجزاء بعد التجربة


ولا يمكن أن نختم قصة هذه المرأة دون أن نرى الصور المتتابعة المتلاحقة لما سمح به الله أو أراد للمرأة والشاب معاً، أما الصورة الأولى فقد كانت محزنة مفجعة قاسية إذ هي الجزاء المعكوس والمقلوب الذي يحدث في العادة فيرتفع فيه الظلم إلى أعلى ويداس الحق والبر والشرف والقداسة تحت الأقدام ومع أن بعض الشراح يعتقدون أن فوطيفار شك كثيرًا في رواية زوجته إلا أنه آثرا أن يغطي الفضيحة والعار فيسجن العبد وهو يعلم أنه مظلوم ليبقى على سمعة زوجته ومركزها بين الناس، وأيا كان الأمر فان السؤال الذي يثور على الدوام لماذا يسمح الله أن تعلق الفضيلة على الخشبة في الوقت الذي تنطلق فيه الرذيلة ماجنة معربدة فاسدة شريرة!! هل يرجع لأن الفضيلة لابد أن تدفع ضريبتها في هذا العالم الحاضر الشرير!! أم لأن أبناء الله ينبغي أن يعطوا المجد لله لا في الجنة الناعمة فحسب بل في الأتون القاسي أيضًا؟ أم لأن الله يقصد أشياء أخرى أبعد كالامتحان أو التدريب أو ما أشبه!! أم لأنه يريد أن يؤكد أن الشر قد يكسب جولاته الأولى لكن الخير لابد أن ينجح وينتصر على صورة أعظم وأمجد وأجل!!


ومهما يكن الجواب الذي نسمعه أو نعطيه فأننا نعلم أن يد الله كانت هناك وأن قوته ونعمته وحكمته كانت تعمل طوال الوقت خلف الستار على أنها عندما أعطت الجزاء العادل لم تعطه خفياً بل كان علانية أمام الكل وخرج يوسف من السجن لا ليرد اعتباره وحريته وشرفه فحسب بل ليصبح العبد سيداً والمرءوس رئيسًا، والبيت الذي ساد واحداً من الأتباع والرعايا.


ومع أن القصة لا تكشف عما فعل يوسف مع هذا البيت فيما بعد إلا أنها تعلم بكل وضوح وجلاء عما قاله الجامعة فيما بعد : «إن رأيت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد فلا ترتع من الأمر لأن فوق العالي عاليا يلاحظ والأعلى فوقها!!...» كما تعلن أن الفضيحة التي يحاول الإنسان أن يسترها داخل البيت قد لا تخرج خارجه فحسب بل تذهب عبر الأجيال والتاريخ إلى أبعاد لا يمكن تصورها : «لأنه ليس مكتوم لن يستعلن ولا خفى لن يعرف!!».





شخصية ( المرأة الشونمية ) من شخصيات الكتاب المقدس


المرأة الشونمية


وفي ذات يوم عبر اليشع إلى شونم، وكانت هناك امرأة عظيمة...


مقدمة


تختلف مقاييس الناس اختلافا بينا كبيراً حول تحديد من هو العظيم في هذه الأرض!! ولاشك أن الكثيرين جداً يحكمون على العظمة بالنظر إلى الظاهر في الإنسان، فالإنسان عظيم على قدر المظهر الذي يعيش به بين الناس، وهذه العظمة، ليست في الواقع إلا عظمة القشور، وقد رفضها المسيح وهو يتحدث عن عظمة المعمدان قائلاً: «لكن ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا إنسانًا لابسًا ثيابًا ناعمة هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك.... الحق أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان...»، ولو كانت القشور هي العظمة الحقيقية، لخرج لا الرسول بولس أو التلاميذ فحسب، بل لخرج المسيح نفسه الذي لم يكن له أين يسند رأسه.. وقد يقيس آخرون العظمة، على قدر ما يملك الإنسان من نفوذ أو سيطرة أو استبداد أو طغيان، ومن ثم جعلوا في القمة بين العظماء، جبابرة الحروب أمثال الاسكندر وقيصر ونابليون وغيرهم، أو من وصفهم السيد بالقول: «إن الذين يحسبون رؤساء الأمم يسودونهم، وأن عظماءهم يتسلطون عليهم».. وقد يرى آخرون العظمة في المفكرين والفلاسفة ممن يرفعون مصابيح النور ومشاعل المعرفة هداية للحائرين في الطريق الإنساني المظلم، ومن ثم عدوا في مقدمة العظماء سقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم من الفلاسفة القدامى والمحدثين، ووجد من قاس العظمة عند المخترعين والمكتشفين والعلماء من رواد الطريق إلى الحضارة والمدنية والرفاهية بين الناس، لكنني أعتقد أن العظمة الحقيقية تبدأ من عظمة الإنسان على نفسه، وانتصاره على ما في أغوارها من باطل، والعثور على معنى وجوده ورسالته في الأرض، والخدمة والتضحية والبذل، وقد كانت الشونمية بهذا المعنى واحدة من العظيمات اللواتي سطرت عظمتها في وحي الكتاب بأحرف بارزة جليلة، وقد يكون من الخير والحق أن نتأمل قصتها العظيمة فيما يلي من صور:






من هي الشونمية


لم يذكر الوحي لنا اسم المرأة، ولا نعلم سوى أنها من قرية شونم، والتي كانت تقع على بعد خمسين ميلا إلى الشمال من أورشليم، وإلى سبعة أميال إلى الجنوب من المدينة التي عرفت فيما بعد بالناصرة والتي عاش فيها المسيح مخلص العالم، ومع أننا لا نعرف الكثير عن حياة هذه المرأة، إلا أننا نعلم أنها كانت من الطبقة المتوسطة الغنية، وأن بيتها كان من البيوت الظاهرة في القرية، بل وربما أغناها وأيسرها، وأن لقمة العيش كانت سهلة وميسورة، وأنها كانت تملك أرضًَا، تدر عليها الوفير من العيش والحياة، وأنها يوم اضطرت إلى الهجرة لمجاعة طارئة رد الملك لها أرضها المغتصبة، والحياة كانت هادئة وطيبة للمرأة، حتى أن أليشع عندما سألها عما اذا كان يعوزها شيء، ردت بأنها ساكنة في وسط شعبها، لا تقلق أحدا، ولا أحد يتعرض لها بالإقلاق أو المضايقات أو الترفع على من حولها من القرويين أو الريفيين كما يفعل بعض الثراة أو الأغنياء من أهل الريف، بل يبدو أنها كانت امرأة وديعة مجبولة على روح الوداعة والتواضع، وكانت المرأة لها أكثر من ذلك الكرم القروي الطبيعي غير المتكلف، فهي لا تعطي فحسب، بل تسر بالعطاء والجود والكرم، وعلى وجه الخصوص الضيوف العابرين في الطريق، والغرباء الذين يحتاجون إلى معونة ومساعدة، على أن المرأة تميزت أيضًا بالتقوى العميقة الصادقة، فكل حركاتها وسكناتها، وكل مشاعرها وعواطفها، وكل ما صدر عنها من أفعال أو انفعالات كانت تكمن وراءه روح امرأة تقية عميقة التقوى، تخاف الله وتحبه، وتقبل منه الآلام والآمال، بوداعة وتسليم ورضا وخشوع وسكينة وحب!! ولعل هذه كلها هي التي أعطتها ذيوعًا وشهرة أكثر من زوجها، الذي أخذ مكانه في الظل إلى جوار شخصيتها القوية العظيمة الواضحة!!..






الشونمية ومظاهر عظمتها


وإذا كانت الشونمية، توصف في المعنى العام بالمرأة العظيمة إلا أن مظاهر عظمتها قد ظهرت على وجه الخصوص في بعض المواقف الموثرة البطولية في عرض حياتها وسيرتها، ويمكن أن تراها بوضوح فيما يلي:






عظمة التقوى رغم الحرمان


من السهل على الإنسان أن يتصور التقوى تسير سيرها المطرد المستمر، مع نجاح الإنسان أو خيره، أو سلامته، أو مدى ما يتمتع به من دسم أو وفرة، ومع أن المرأة الشونمية كان لها الكثير، لتشكر الله عليه، وتغني بالحمد لجلاله، إلا أنها رغم ذلك كانت محرومة من أغلى ما كانت تحن إليه المرأة اليهودية في ذلك الوقت، بل أن هذا الحرمان كان يصور في كثير من الأوضاع والصور، كغضب الله أو قسوته أو شدته، عندما تكون المرأة عاقرًا لا تنجب أو تلد، ولعلنا نذكر المذلة التي كانت تفيض بها مشاعرها من هذا القبيل، ولا يمكن أن ننسى في هذا المجال سارة ورفقة وراحيل وحنة وغيرهن من النساء، ألم تؤثر راحيل الموت على حياة العقم وعدم الإنجاب، وألم تبك حنة في مرارتها القاسية في بيت الله لأنه لم يكن لها ولد!! ولعل الشونمية التي ظلت سنوات كثيرة بلا ابن، قد بكت مرات بلا عدد أو حصر وهي أمام الله في الصلاة، أو في عزلتها من الناس، أو ربما أمامهم، وهي تنشد الولد أو تحن إليه، ولكنها مع هذا كله لم يعرف منها أو عنها قط حياة التذمر أو التمرد أو الشكوى أمام الله والناس، لقد كانت في حرمانها المرأة التقية الزكية الإحساس المفعمة بالتسليم والسكينة والرضا لقضاء الله وأمره، كما كانت بعد مجيئة، ذات المرأة الممتلئة بكل عرفان وشكر وحمد لرحمته وإحسانه وجوده، بل لعلها كانت تقول مع أيوب، عندما تتعرض للإحساس بتجربة لتذمر «هوذا يقتلني. لا أنتظر شيئًا فقط أزكي طريقي قدامه...» أجل كانت المرأة في كل عقهما، وبكل عمقها، مظهرًا عظيمًا لتقوى المحرومين من هذا أو ذاك أمام الله..






عظمة الخدمة دون انتظار الأجر


ولعل المظهر الثاني لعظمة هذه المرأة كانت روح الخدمة التي تتملكها، دون أدنى تفكير في رد أو جزاء بشري، لقد خدمت أليشع وتعبت في خدمته، على النحو الذي أثار الرجل وحرك مشاعره، فناداها، يطلب إليها أن يرد بعض المعروف مقابل ما سبب لها من انزعاج واهتمام ومتاعب، ولكن المرأة تجيب بأنها لا حاجة لها إلى شيء وهي ساكنة آمنة في وسط شعبها، لقد أوغلت في خدمتها إلى أليشع حتى أنها بنت له في بيتها علية يأوى إليها كلما جاء أو عبر الطريق، دون أن تنتظر جزاء أو شكراً، سوى احساسها العظيم بلذة الخدمة نفسها اللذة التي لا يستطيع أن يدركها سوى أولئك الذين خرجوا من نفوسهم إلى الآخرين، ومن الأثرة إلى الإيثار، ومن محبة الذات إلى محبة الجميع، كل من يمد يده إلى المتعب والغريب والضائع والمشرد والبائس والباكي وما أكثرهم في كل زمان ومكان على ظهر هذه الأرض!!..






عظمة السلام رغم وقوع الكارثة


على أن المرأة تبدو في أروع صور العظمة عندما يموت ولدها الوحيد، قرة عينها، وبهجة قلبها، والذي جاء بعد ما ذكرنا من الحرمان القاسي لسنوات متعددة طويلة، والذي عاش سنوات بلغ فيها مرتبة الصبي، التي تجعله يخرج من البيت ويذهب لأبيه في الحقل، أو يجري هنا وهناك كما يجري سائر الأولاد اللاعبين الضاحكين مثله وفي سنه، وقد جاءت الضربة مفاجئة وغير متوقعة إذ كانت ضربة شمس وهو عند أبيه في الحقل، وكانت مسرعة وقاسية ومذهلة، فما أسرع ما يصل الصبي إلى أمه، حتى يموت قرب الظهيرة في حجرها، وهنا يقف الإنسان أمام مشهد من أدق وأقسى المشاهد التي يمكن أن يراها المرء في حياة الناس، كيف تواجه المرأة الكارثة وتتصرف إزاءها! لقد تحولت في دقائق ولحظات إلى أعظم صورة يمكن أن تتصورها من العظمة في مواجهة الفاجعة والآلام، ومع أن المرأة في العادة لا تنصرف بمفردها في مثل هذه المواقف التي تهزم أصلب الأعواد وأشجع القلوب، إلا أنها مع ذلك حرصت على ألا يعلم زوجها شيئًا عن الأمر، إذ قصدت أن تلوذ برجل الله والذي لم يكن في بيتها بل كان في الكرمل على بعد عشرة أميال على الأقل، وإذ يستفسر الزوج عن سر ذهابها تجيب بكلمة واحدة: سلام... وعندما تقترب من النبي، ويفزع إذ يراها مسرعة إليه فيرسل جيجزي بسؤال واحد: أسلام لك. أسلام لزوجك. أسلام للولد تجيب أيضًا بكلمة واحدة: سلام! وكيف يمكن أن يكون هناك السلام للنفس التعسة الحزينة المرة المفجوعة بل للنفس التي راضت حياتها على الصورة الأولى من غير ولد، وكان يمكن أن تستمر هكذا حتى استيقظ فيها الأمل بمجيء الغلام الذي أضحى هو الحياة بل أهم من الحياة عندها؟ كيف يمكن أن يكون السلام وقد كانت في قصتها الأولى كمن يسير قريبًا من الأرض لا يهتز إذا سقط عليها، ولكنه سرعان ما يصعد إلى أعلى الأدوار ليسقط، ولا يترضض فقط، بل ليتهشم تهشيمًا، ويضحي أشلاء تذروها الرياح، وكيف يمكن للإنسان أن يصل إلى السلام عندما يعصره الألم، وينضح بالتعاسة والدموع! هذا موقف من أندر المواقف وأقساها، ولو أن المرأة واجهته بما لم تواجهه امرأة أخرى إذ تغلق على ولدها ولا تذرف دمعة، ولا يعلو صوتها بتشنج أو نحيب، بل تذهب بصمت مليء بالمرارة إلى رجل الله، لكانت من أعظم النساء اللواتي عرفن في مواجهة الصدمات بشجاعة وصلابة وصبر في هذه الأرض، لكن المرأة ارتفعت فوق المرارة والآلام والتعاسة والأحزان التي لا توصف بشيء أسمى وأعلى وأمجد!!... لقد كانت أشبه بالطائر المرتفع الذي يشق طريقه إلى أعلى السموات مرتفعًا فوق الغيوم والسحب والأمطار ليواجه الشمس المشرقة الرائعة العظيمة، لقد واجهت المرأة المحنة بإيمان عجيب، قل أن يكون له نظير أو مثيل في حياة الناس، لقد آمنت أن الولد الذي جاء بمعجزة، سينهض من الموت ويقوم أيضًا بمعجزة، وقد حول هذا الإيمان نارها الملتهبة سلاماً وعذابها الذي لا يوصف هدوء وسكينة، لايمكن أن تكون من صنع الإنسان أو من قدرة ذاتية عنده، بل من روح الله وشخصه المبارك الذي لا يترك المؤمن، بل يجتاز معه الأتون المحمي سبعة أضعاف ويخرجه منه على نحو خارق من البهاء والجمال والعظمة على مشهد من الجميع ويصورة تذهب مضرب المثل كلما ذكرها الناس كواحدة من أقسى التجارب في حياة البشر على هذه الأرض!! وهل هناك عظمة يمكن أن تداني هذه العظمة في مواجهة المحن والآلام.






الشونمية وجزاؤها المبارك


كانت الشونمية، وهي تأخذ جزاءها من الله، أشبه بذلك القديس الذي تذكر القصة الخيالية أن الله طلب منه أن يختار أية عطية سيمنحها له المولى مهما كانت غالية وعظيمة وكريمة وأبي القديس وهو يقول الله: لقد أعطيتني ياسيدي فوق ما أطلب أو أحتاج، وأنا أسير إحسانك وجودك، ولا يعوزني قط شيء من الخير، وأجابه الله: ولكني أريد أن أعطيك أكثر فاطلب ما تشاء أو تريد!.. وقال الرجل: إذا كان ولابد يا مولاي!! فاني أرجو أن تعطيني أن أفعل الخير دون أن أحس إني فعلته أو قمت به!! وقال الله له: ليكن لك ذلك!.. وكان الرجل يسير فإذا وقع ظله على مريض شفي وبريء دون أن يشعر!! ولعله من الملاحظ أن المرأة لم تطلب الولد عندما سألها أليشع ولكن الولد جاء نتيجة ملاحظة جيحزي، إن البيت خال من ابن! لقد قدمت المرأة خدمتها وترحيبها وعطاياها تحت إحساسها العميق، بأن هذا ليس من واجبها فحسب بل هو امتيازها الأعظم أيضًا، ورأى الله أن المرأة أقرضته وأعطته وهو لا يقبل أن يكون مديونًا لأحد، وهو إذ يعطي إنما يعطي أضعافاً مضاعفة لا يمكن أن توازن بما يقبل أو يأخذ، ألم يقل السيد: «من يقبل نبيًا باسم نبي فأجر نبي يأخذ ومن يقبل بارا باسم بار فأجر بار يأخذ ومن سقي أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ فالحق أقول لكم إنه لا يضيع أجره».. وهل ضاع أجر المرأة، ألم تأخذ الولد، ولم تأخذه مرة واحدة في الحياة. بل أخذته مرتين؟ وألم تأخذ خيرًا سابقًا ولاحقاً لما قدمت لرجل الله من ضيافة أو كرم، عندما فاض عليها الله بالخيرات الكثيرة في بيتها، وعندما حفظ الله لها أرضها طوال المجاعة التي استمرت سبع سنوات، واغتصب الغاصبون حقلها، فلم يرد لها الملك الحقل عندما صرخت إليه فحسب، بل رد لها أكثر من ذلك غلاته التي أخذت طوال فترة غيابها عن شعبها وبلادها، طوال السبع السنوات من المجاعة القاسية.


أيتها الشونمية العظيمة! هل يتعلم الناس، وهم يبحثون عن العظمة كيف تكون أصلا في العادي من الحياة في السماحة والجمال والدعة والخدمة بينهم، قبل أن تكون في طلب الخوارق والعجائب والمعجزات، والله على استعداد أن يعطي هذه وتلك، لمن يعيش ويحيا كما عشت وحييت، وكنت بحق في الحالتين كما ذكر الوحي «وفي ذات يوم عبر أليشع إلى شونم وكانت هناك امرأة عظيمة».



جدنا على فيس بوك

منتدى ملك الملوك بشكل جديد www.malek-elmlook.com ملك الملوك ارض الحصريات